خطبة الجمعة القادمة 21 أكتوبر 2022م : مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 21 أكتوبر 2022م : مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 25 ربيع أول 1444هـ ، الموافق 21 أكتوبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 أكتوبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 أكتوبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 أكتوبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية ، للدكتور محروس حفظي :
(1) تحقيقُ الإيمانِ الكاملِ .
(2) غرسُ اليقينِ، وحسنُ التوكلِ على اللهِ – عزَّ وجلَّ- مع الأخذِ بالأسبابِ.
(3) الإرادةُ القويةُ، والعزيمةُ الأبيةُ.
(4) الثقةُ، وعدمُ التبعيةِ، والحثُّ على الابتكارِ، وبثُّ روحِ المنافسةِ، ومراعاة التخصصاتِ المختلفةِ.
(5) الموازنةُ بينَ متطلباتِ الجسدِ والروحِ، والتوسطُ والاعتدالُ في كلِّ شيءٍ .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
مراحلُ بناءِ الشخصيةِ في السنةِ النبويةِ 25 ربيع الأول 1443 هـ 21 أكتوبر 2022 م
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) تحقيقُ الإيمانِ الكاملِ .
إنَّ الإيمانَ يحملُ صاحبَهُ على التفكيرِ، وإعمالِ عقلهِ في جميعِ الموجوداتِ مِن حولهِ، ويعززُ العلاقةَ بينَ العبدِ وخالقهِ، ويورثُ الراحةَ والطمأنينةَ، ويقضِي على الخوفِ والقلقِ الذي قد ينجرفُ بصاحبهِ نحوَ اليأسِ، فالمؤمنُ باللهِ – تعالى- يخضعُ له ويذعنُ لأوامرهِ ونواهيهِ، وتكونُ لهُ منهجيةً ومرجعًا في جميعِ أمورهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«سَلُونِي»، فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «لَا تُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَخْشَى اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (متفق عليه) .
وهذا ما حرصَ عليهِ نبيُّنَا ﷺ في تربيةِ الصحابةِ عليه، وتنشئتِهِم نشئةً ربانيةً إيمانيةً، أنبتَهُم بالقرآنِ إنباتًا، وأنشأهُم على عينهِ، فكانُوا ذلك الجيلَ الفريدَ الذي لم يعرفْ لهُ التاريخُ مثيلًا، وقد لا يتاحُ للبشريةِ في مستقبلِهَا أنْ ترَى لهُ أيضًا مثيلًا، ويتبينُ ذلك في مواقفَ مختلفةٍ، وحوادثَ متباينةٍ ظهرَ مِن خلالِهَا سرعةُ الاستجابةِ لأمرِ اللهِ – عزَّ وجلَّ – وأمرِ رسولهِ ﷺ كمَا في قضيةِ تحريمِ الخمرِ قال أنسُ بنُ مالكٍ: “ما كانَ لنَا خمرٌ غيرُ فضيخِكُم هذا الذي تسمونَهُ الفضيخَ، فإنِّي لقائمٌ أسقِي أبَا طلحةَ، وفلانًا وفلانًا، إذ جاء رجلٌ فقالَ: وهل بلغكُمُ الخبرُ؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمتِ الخمرُ، قالوا: أهرقْ هذه القلالَ يا أنسُ، قال: فمَا سألُوا عنها ولا راجعُوهَا بعدَ خبرِ الرجلِ” (متفق عليه)، فما أحوجنَا إلى هذا الإذعانِ، وتلك الاستجابةِ الفوريةِ للنداءاتِ الربانيةِ في عصرٍ كثرتْ فيهِ المغرياتُ والملهياتُ، والذي أوجبَ علينَا الالتفاتَ والالتفافَ حولَ أولادِنَا، والحنوَّ عليهم، وغرسَ القيمِ الإيمانيةِ والوجدانيةِ والأخلاقيةِ في نفوسهِم مثلمَا ربَّى سيدُنَا ﷺ الرعيلَ الأولَ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ:يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» (الترمذي وحسنه)، فهذا يجعلُهُ متمسكًا بعقيدتِهِ فلا تزلزلهُ رياحُ الشكوكِ ولا أبواقُ الإلحادِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) غرسُ اليقينِ، وحسنُ التوكلِ على اللهِ – عزَّ وجلَّ- مع الأخذِ بالأسبابِ.
إنَّ المسلمَ الذي ربَّاهُ النبيُّ ﷺ ليس عالةً على الحياةِ، وإنَّما هو شخصٌ منتجٌ يقدرُ الحياةَ حقَّ قدرِهَا باعتبارِهَا مزرعةً للآخرةِ، ويسعَى دائمًا ليضيَف إليها شيئًا ويتركَ فيها أثرًا مِن الخيرِ وإنْ ظنَّ أنَّه لن يستفيدَ مِن خيرهِ أحدٌ، أو أنَّ الحياةَ ذاتَهَا لن تستمرَّ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» (أحمد، صحيح) .
لقد حثتْ السنةُ النبويةُ الفردَ على الاعتدادِ بنفسهِ، وعدمِ الركونِ للذلةِ والمسكنِ فعن الزبيرِ عن النبيِّ ﷺ قال:«لأنْ يأخذَ أحدكُم حبلَه، فيأتِي بحزمةِ الحطبِ على ظهرهِ، فيبيعَهَا، فيكفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ لهُ مِن أنْ يسألَ الناسَ أعطُوه أو منعُوه» (البخاري)، وكان رسولُنَا ﷺ يباشرُ أمورَهُ بنفسهِ على الرغمِ مِن وجودِ مَن يكفيهِ يقولُ ابنُ حجرٍ: (وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُبَاشَرَةُ الْكَبِيرِ وَالشَّرِيفِ شِرَاءَ الْحَوَائِجِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ تَعْلِيمًا وَتَشْرِيعًا) أ.ه .
وها هو- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في موقفٍ عمليٍّ يبينُ لأحدِ أصحابهِ أنَّ اليدَ العاملةَ المنتجةَ المنفقةَ خيرٌ وأحبُّ مِن اليدِ الآخذةِ فعن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى» (البخاري)، ولذلك فإنَّ الذي يذلُّ نفسَهُ عن طواعيةٍ واختيارٍ يحيدُ عن منهجِ الحقِّ فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُهُ» (ابن ماجه) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
(3) الإرادةُ القويةُ، والعزيمةُ الأبيةُ.
تعتبرُ الإرادةُ القويةُ مِن أهمِّ عناصرِ بناءِ الشخصيةِ لدى المسلمِ، فهي تُعلِي همتَهُ، وتزرعُ في نفسهِ الثقةً، فيُقدِم على فعلِ الخيرِ، وتحقيقِ ما يريدُهُ، حتى عندَ الإخفاقِ وعدمِ النجاحِ يوقنُ أنَّ قضاءَ اللهِ – عزَّ وجلَّ – كلُّهُ خيرٌ ولو لم تظهرْ حكمتُهُ ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾، وعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (مسلم)، وبالتالِي الإرادةُ القويةُ تُربِّي شخصيةً قويةً لا يمكنُ بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ أنْ تنكسرَ أمامَ عادياتِ الحياةِ أو مسراتِهَا، بل لا يمكنُ أنْ تجعلَ مِن القدرِ مبررًا للرضَا بالضعفِ والاستكانةِ إلى الدون، أمَّا ضعيفُ النفسِ والعزيمةِ فقد يُسلمُ نفسَهُ للأوهامِ والأباطيلِ، وينصاعُ للآخرين، ويستسلمُ مِن أولِّ مرةٍ، وهذا غيرُ مرغوبٍ في شخصيةٍ يقعُ على عاتقِهَا خدمةُ دينِهَا ووطنِهَا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (مسلم) .
يقولُ الإمامُ النوويُّ: (وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ هُنَا: عَزِيمَةُ النَّفْسِ وَالْقَرِيحَةُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ صَاحِبُ هَذَا الْوَصْفِ أَكْثَرَ إِقْدَامًا عَلَى الْعَدُوِّ، وَأَسْرَعَ خُرُوجًا إِلَيْهِ، وَذَهَابًا فِي طَلَبِهِ، وَأَشَدَّ عَزِيمَةً فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَاحْتِمَالِ الْمَشَاقِّ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَرْغَبَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْأَذْكَارِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَأَنْشَطَ طَلَبًا لَهَا وَمُحَافَظَةً عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ) أ.ه .
وتتعجبُ مِن حالِ الإنسانِ الذي هو الوحيدُ مِن بينِ الكائناتِ الحيةِ الذي يرفضُ قانونَ «الجهدِ المهدورِ» ذاك قانونُ رجالِ الأعمالِ، والقادةِ العظامِ، والعباقرةِ الجسامِ، فتجدَ الأسودَ مثلًا لا تنجحُ في الصيدِ إلّا في ربعِ محاولاتِهَا أي تفشلُ في 75% مِن صيدِهَا ومع ذلك لا تيأس مِن محاولاتِ المطاردةِ والمتابعةِ، ونصفُ مواليدُ الدببةِ تموتُ قبلَ البلوغِ، ونصفُ بيوضِ الأسماكِ يتمُّ التهامُهَا ومع ذلك ما زالَ هذا القانونُ الإلهِي مستمرًا لا ينقطعُ عن الطبيعةِ، لكنَّ الإنسانَ إذا أخفقَ في مشروعٍ أو فشلَ في عملٍ لا يريدُ أنْ ينهضَ مرةً أُخرى، بل يستسلمُ ويتكاسلُ، ويريدُ الحصولَ على المالِ بسهولةٍ، فيسلكَ كلَّ طريقٍ، ويباشرَ كلَّ وسيلةٍ حلالًا كانتْ أم حرامًا، وما يُؤتَى دونً عَرَقٍ أو تعبٍ يذهبُ سُدى، وقد سُئِلَ النَّبِي ﷺ عَنْ أَفْضَلِ الْكَسْبِ فَقَالَ: «بَيْعٌ مَبْرُورٌ، وَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ» (أحمد)، وقد ثبتَ في العلاجِ النفسِي أنَّ التفاؤلَ والابتسامَ والتصدِّي لمشكلاتِ الحياةِ بروحِ الاسترضاءِ والإيمانِ بمَا هو مقدرٌ، مِن أنجحِ الأساليبِ للتغلبِ على كلِّ ما يكدرُ على الإنسانِ صفوَ معيشتهِ.
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة
(4) الثقةُ، وعدمُ التبعيةِ، والحثُّ على الابتكارِ، وبثُّ روحِ المنافسةِ، ومراعاة التخصصاتِ المختلفةِ.
لقد حذَّرَنَا رسولنا ﷺ مِن التقليدِ والتبعيةِ الغيرِ الصحيحةِ بحيثُ يكونُ المسلمُ كالريشةِ في مهبِّ الرياحِ تميلُهَا حيثُ شاءتْ، بل عليهِ أنْ يحكِّمً عقلَهُ، ويميزَ بينَ ما يضرُّهُ وما ينفعُهُ، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا» (الترمذي وحسنه) .
ومِن صورِ الاعتدادِ بالنفسِ التي عملتْ السنةُ على إذكائِهَا تنميةُ روحِ التنافسِ في الخيراتِ بينَ الأفرادِ، فكثيرًا ما كانَ ﷺ يرفعُ مِن شأنِ الفردِ ويُعلِي مِن معنوياتهِ بأسلوبٍ يدفعُهِ لإتقانِ العملِ والمواظبةِ على الاتيانِ بالمزيدِ مِن ذلك ما جاءَ: عن أبي هريرةَ أنَّه قال: قيلَ يا رسولَ اللهِ مَن أسعدُ الناسِ بشفاعتِكَ يومَ القيامةِ؟ قال ﷺ: «لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ أنْ لا يسألنِي عن هذا الحديثِ أحدٌ أولَ منك لمَا رأيتُ مِن حرصِكَ على الحديثِ، أسعدُ الناسِ بشفاعتِي يومَ القيامةِ، مَن قالَ لا إلهَ إلَّا الله، خالصًا مِن قلبهِ، أو نفسهِ» (البخاري)، وكذا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» (مسلم) .
وتتسامَى شخصيةُ الإنسانِ وتتعاظمُ إذا انضمَّ إليها العلمُ الصحيحُ – الديني والدنيوي – الذي يكشفُ له طريقَ الحقِّ والخيرِ، وينيرُ مسالكَ الحياةِ، فيمضِي فيها على هدى، فتتميزُ شخصيتُهُ عن غيرهِ بالفكرِ والعلمِ المفيدِ، ولذا أذكتْ السنةُ النبويةُ روحَ التنافسِ حين سمحتْ للطاقاتِ العقليةِ الإبداعيةِ بالتحررِ، ولم تحجرْ عليها، فقد كان الصحابةُ يقفونَ عندَ نصوصِ الوحيِ، ويأخذونَها بالتسليمِ المطلقِ، وفيمَا عدَا ذلك أدلُوا بآرائِهِم فتفتقتْ أذهانُهُم عن أمورٍ إبداعيةٍ، فهذا الْحُبَاب بْن الْمُنْذِرِ يشيرُ على النبيِّ ﷺ يومَ بدرٍ الكبرى بأنَّ المنزلَ الذي نزلَ بهِ الجيشُ ليسَ بمنزلٍ، وأنَّ المكانَ الأنسبَ هو ماءُ بدرٍ، فأخذَ النبيُّ ﷺ برأيهِ ونفذَهُ، وكذا إشارةُ سلمانَ الفارسي- رضي اللهُ عنه- يومَ غزوةِ الأحزابِ بحفرِ الخندقِ، فأعجبَ بالفكرةِ؛ إذ العربُ كانوا يعتمدون على أسلوبِ “الكرِّ والفرِّ” ولا درايةَ لهم بهذه الحيلِ، وتلك الأساليبِ، فأتتْ أكلهَا، وأثمرتْ نتيجتهَا على أكملِ وجهٍ، ولهذا شجعَ النبيُّ ﷺ على الاجتهادِ فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» (متفق عليه) .
وقد راعَى رسولُنَا ﷺ ميولَ الشخصِ وما يتقنهُ في الحياةِ، فكلفَهُ بالشيءِ الذي يبدعُ فيهِ، ولم يطالبْ بأنْ يكونَ الناسُ جميعًا نسخةً واحدةً، بل كان التنوعُ في أعمالِهِم مطلبًا؛ لأنَّه أساسُ تكاملِ الحياةِ البشريةِ وتمازجِهَا فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ» (ابن ماجه) .
كما اتبعتْ السنةُ المطهرةُ منهجًا فريدًا في الإفساحِ للأسئلةِ التي تترددُ في الصدورِ كي تخرجَ إلى حيزِ الوجودِ، فقد كان الصحابةُ يشعرونَ بأسئلةٍ حولَ بعضِ القضايَا – خاصةً العقدية أو التشريعية- لكنهم يخشون البوحَ بها، مخافةً أنْ تؤثرَ في إيمانهِم، أو أنْ يكونَ فيها جرأةٌ غيرَ معهودةٍ، ولكنَّ المربِّي الفاضلَ ﷺ لم يقمعْ هذه الأسئلةَ، ولم يكنْ صدرُهُ يضيقُ بأيِّ سؤالٍ ولم يمتنعْ عن الإجابةِ عن أيِّ استفسارٍ، كي لا تظلّ تلك الأسئلةُ حبيسةً، فسمحَ لهم بالبوحِ بمَا تكنُّهُ صدورُهُم ثم أرشدَهُم إلى الجوابِ الصحيحِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ” (مسلم)، فما أحوجَ شبابُنَا اليومَ إلى مدِّ جسورِ التواصلِ فيما بينهُم مِن خلالِ تقويةِ الرابطةِ الأسريةِ حيثُ توجدُ عندَ كثيرٍ مِن الشبابِ أسئلةٌ تدورُ في أذهانِهِم، تتعلقُ بذاتِ اللهِ – تعالى- وصفاتهِ، وحولَ حقيقةِ البعثِ، والقضاءِ والقدرِ، أو أسئلةٌ عن أمورٍ جنسيةٍ، فيتحرجونَ مٍن البوحِ بها؛ لأنَّهم يخشون التأنيبَ والتوبيخَ، فيلجئونَ إلى طرحِهَا فيما بينهُم، أو عند أناسٍ غيرِ مؤهلين للإجابةِ مما ينعكسُ سلبًا على بناءِ شخصيتهِم، أمَّا فتحُ بابِ التواصلِ مع الولدِ فيعززُ شخصيتَهُ، ويجعلُهُ واثقًا بنفسِهِ، ويكسبهُ الخبرةَ في الحياةِ، ولم يقتصرْ الأمرُ على الإجابةِ عن التساؤلاتِ، بل تعدّى ذلك إلى الحثِّ على التساؤلِ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلم يطرحُ أسئلةً على صحابتهِ مِن بابِ توفيرِ البيئةِ المناسبةِ لنموِّ القدراتِ العقليةِ نموًّا سليمًا، وتشجيعهُم على ممارسةِ التفكيرِ الحرِّ المتوازنِ فعن ابْنِ عُمَرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَقَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا (متفق عليه) .
يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ: (وفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ امْتِحَانُ الْعَالِمِ أَذْهَانَ الطَّلَبَةِ بِمَا يَخْفَى مَعَ بَيَانِهِ لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْهَمُوهُ، وَفِيهِ ضَرْبٌ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ لِزِيَادَةِ الْإِفْهَامِ وَتَصْوِيرُ الْمَعَانِي لِتَرْسَخَ فِي الذِّهْنِ وَلِتَحْدِيدِ الْفِكْرِ فِي النَّظَرِ) أ.ه .
العنصر الخامس من خطبة الجمعة القادمة
*الموازنةُ بينَ متطلباتِ الجسدِ والروحِ، والتوسطِ والاعتدالِ في كلِّ شيءٍ:
حرصَ الرسولُ الأعظمُ ﷺ في بنائهِ للشخصيةِ على مراعاةِ الاختلافِ الجسدِي والعقلِي والاستعدادِ الروحِي، فأمرَ بالتيسيرِ وعدمِ المبالغةِ في العبادةِ التي تفضِي في نهايةِ المطافِ إلى تركِ العملِ بالكليةِ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ:«يَا عَبْدَ اللهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، وَلِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، صُمْ وَأَفْطِرْ، صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بِي قُوَّةً، قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام، صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَكَانَ يَقُولُ: «يَا لَيْتَنِي أَخَذْتُ بِالرُّخْصَةِ» (مسلم) .
يقولُ ابنُ حجرٍ: (وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْمُدَاوَمَةِ فِي الْجِدِّ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ خَشْيَةَ الْمَلَالِ وَإِنْ كَانَتِ الْمُوَاظَبَةُ مَطْلُوبَةً لَكِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ إِمَّا كُلَّ يَوْمٍ مَعَ عَدَمِ التَّكَلُّفِ وَإِمَّا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ فَيَكُونُ يَوْمُ التَّرْكِ لِأَجْلِ الرَّاحَةِ لِيُقْبِلَ عَلَى الثَّانِي بِنَشَاطٍ وَإِمَّا يَوْمًا فِي الْجُمُعَةِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَالضَّابِطُ الْحَاجَةُ مَعَ مُرَاعَاةِ وُجُودِ النَّشَاطِ) أ.ه .
كما دعتْ السنةُ المطهرةُ إلى الترويحِ البرئِ عن النفسِ مخافةَ المللِ والسآمةِ، إذْ لابدَّ لأيِّ فردٍ مِن التمتعِ بقسطٍ وافرٍ مِن الراحةِ بعدَ الأعمالِ المضنيةِ، كي لا يصابَ بالإرهاقِ المتواصلِ الذي يقعدُهُ عن العملِ، فالترويحُ البرئُ يجددُ النشاطَ والطاقةَ، ولم تمانعْ السنةُ مِن المزاحِ والتفكهِ والملاطفةِ والتبسمِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ، حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ» (مسلم) .
*مراعاةُ المصلحةِ العامةِ، والالتزامُ بالآدابِ مع الآخرين: عملتْ السنةُ الشريفةُ على رعايةِ مصالحِ الآخرين مهما كانتْ منزلتُهُم، مثلمَا راعتْ مصلحةَ الشخصِ نفسهِ، وهذا نابعٌ مِن نظرةِ السنةِ للمجتمعِ ككلٍّ متكاملٍ ووحدةٍ واحدةٍ ، وينبغي التأدبَ مع الاخرين وعدمَ إزعاجهِم بأيِّ وسيلةٍ مهما بدتْ يسيرةً، حتى لو كان ذلك برائحةٍ كريهةٍ تنبعثُ مِن فمِّ الشخصِ قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» (متفق عليه)، وهذا النبيُّ الكريمُ ﷺ يستأذنُ غلامًا صغيرًا؛ لأنَّه صاحبُ الحقِّ، ولم يتغاضَ عنه لصغرِ سنهِ على الرغمِ مِن وجودِ مَن هو أكبرُ منه سنًّا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:«أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: ائْذَنْ لِي أَنْ أُعْطِيَ الْأَشْيَاخَ»، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ» (البخاري)، وبلغتْ الآدابُ مع الآخرينَ مبلغًا قلَّ نظيرُهُ في الثقافاتِ الأخرى، فها هو ﷺ يقدرُ النفسَ الإنسانيةَ حتى لو كانتْ على غيرِ دينِ الإسلامِ فعن قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَقَالَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ، فَقَامَ فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا»(متفق عليه).
إنَّ الاهتمامَ بشؤونِ الآخرين، وسؤالهِم عن أحوالهِم، وتوثيق ِالعلاقاتِ الإنسانيةِ والاجتماعيةِ يشعرُ الفردَ بنوعٍ مِن الطمأنينةِ، ويبدأُ ينظرُ للحياةِ نظرةً ملؤهَا المحبةُ والرحمةُ للآخرين، بعيدًا عن النظرةِ السلبيةِ والأنانيةِ البغيضةِ حتى يتحققَ فينَا قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (مسلم) .
وأخيرًا: نؤكدُ على أنَّ مصالحَ الأوطانِ لا تنفكُّ عن مقاصدِ الأديانِ، وأنَّ العملَ على تقويةِ شوكةِ الدولةِ الوطنيةِ، وترسيخِ دعائمِهَا مطلبٌ شرعيٌّ ووطنيٌّ، وأنَّ كلَّ مَن يعملُ على تقويضِ بنيانِ الدولةِ أو تعطيلِ مسيرتِهَا، أو تدميرِ بناهَا التحتيةِ، أو ترويعِ الآمنينً بها، إنَّما هو مجرمٌ في حقِّ دينهِ ووطنهِ معًا، وحيثُ تكونُ المصلحةُ، ويكونُ البناءُ والتعميرُ، فثمَّ شرعُ اللهِ – تعالى- وصحيحُ الإسلامِ، وحيثُ يكونُ الهدمُ والتخريبُ والدمارُ فثمةَ عملُ الشيطانِ والدمارُ والخرابُ، ويجبُ على الأسرةِ تنشئةُ الأولادِ منذُ نعومةِ أظفارهِم على منظومةِ الأخلاقِ المختلفةِ كالصدقِ والأمانةِ والحياءِ والإخلاصِ والإيثارِ والمحبةِ والتعاونِ … إلخ .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف